فوضى الموت في عدن .. إزدواجية أمنية وخذلان التحالف
يمنات
إسماعيل أبو جلال
عادت مدينة عدن إلى مسلسل الاغتيالات والتصفيات الجسدية، وبوتيرة عالية، حيث شهدت في الأسابيع القليلة الماضية تزايد عدد الاغتيالات التي طالت أكاديميين وقادة عسكريين وأمنيين وأئمة مساجد، كان آخرها اغتيال الشيخ محمد راغب بازرعة، إمام وخطيب جامع عبد الله عزام، في يوم السبت 21 يوليو الحالي، وسط مدينة المعلا، على يد ملثمين يستقلون سيارة «هايلوكس»، وفي ذات اليوم تعرض نائب مدير أمن عدن العقيد أبو مشعل الكازمي لمحاولة اغتيال، بينما كان في طريقه لأداء مهمة أمنية في منطقة الممدارة شمال شرق المدينة، وذلك بعد يومين فقط من نجاة إمام وخطيب جامع العادل بانفجار سيارته بجوار مسجد العادل في مدينة المنصورة، وعقب اغتيال العقيد سيف الضالعي، مسؤول التحقيقات في سجن المنصور من قبل مجهولين. وغيرها الكثير من الاغتيالات التي شملت مختلف أحياء المدينة، والتي تجاوز عددها 400 جريمة اغتيال في الثلاث سنوات الماضية، والتي من خلالها تبرز حجم الاختلالات، وحقيقة الفشل الذريع الذي تحققه الأجهزة الأمنية في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وعدم قدرتها على إحداث أي تحسن في أدائها، حتى بعد تعيين المهندس أحمد الميسري وزيراً للداخلية، منذ عدة أشهر، والذي – كما يؤكد مراقبون – أنه من أقوى الشخصيات المقربة من الرئيس هادي، ويتمتع بصلاحيات مفتوحة على مستوى الحكومة.
جرائم ضد مجهولين
لم يكن القلق في أوساط عامة السكان في أحياء مدينة عدن، محدوداً بتزايد عدد الاغتيالات والتصفيات التي طالت شخصيات اجتماعية مؤثرة في أنحاء المدينة، وإنما تجاوز ذلك إلى القلق من تقاعس الأجهزة الأمنية، وفشلها الكامل في أداء دورها، من حيث الكشف عن الجريمة قبل وقوعها، أو ملاحقة المجرمين وإلقاء القبض عليهم، وإحالتهم إلى القضاء.
إلى ذلك، تحدث لـ«العربي» أحد عقال الحارات في مدينة المعلا، مفضلاً عدم ذكر اسمه قائلاً، «تعتبر المعلا أكثر منطقة في عدن شهدت حوادث اغتيالات، طالت أئمة المساجد، وكان آخرها جريمة اغتيال الشبخ محمد راغب، والسبب يرجع إلى تقاعس الأجهزة الأمنية الرسمية عن القيام بواجباتها».
وأردف قائلاً: «نحن كعقال حارات نعمل جهدنا، وبما يرضي الله وضمائرنا، نتعاون مع أقسام الشرطة في المديرية في كل شيء»، واستدرك قائلاً: «إلا أنها ما زالت غير قادرة على القيام بدورها».
وأضاف «ولا أخفيكم أننا في مرات كثيرة نبلغ أقسام الشرطة عن تحركات غريبة لأشخاص يدخلون في حوارينا مسلحين، ونقول لهم تحركوا، ونحدد لهم أماكنهم، لكن ولا عمرهم خرجوا، أو تحركوا للقبض على أحد»، مبدياً استغرابه من تجاهل الأمن لبلاغاتهم بالقول إن «المشكلة أن بلاغاتنا كانت مفيدة جداً، ويتأكد لنا بعد عدة بلاغات أننا كنا على حق، لأنه وبعد أن تحدث الجريمة يختفي الأشخاص الذين كنا نبلغ بهم تماماً، ونفاجئ بعد ذلك أن كل الجرائم تقيد ضد مجهولين».
إزدواجية أمنية
وفي رده على تقاعس أجهزة الأمن وعدم تفاعلها مع البلاغات التي تصل اليها، قال الملازم فهد حسين، ضابط تحقيقات في مباحث أمن عدن، في حديث إلى «العربي»: «نحن لا نشكك في أي بلاغات تصلنا عن التحركات المشبوهة لأشخاص أو مسلحين، ونتابعها بشكل مستمر، ولا نهملها على الإطلاق، لكن المشكلة التي تواجهنا أننا نجد من يتم التبليغ بهم أنهم يتبعون أجهزة أمنية وعسكرية، تابعة لسلطات موازية للسلطات الرسمية للدولة، ولا يقبلون التفاهم مع الأجهزة الرسمية أبداً، لأنهم يعتبرون أنفسهم هم الدولة أصلاً».
وأضاف «وكنا في البداية قد طلبنا من قياداتهم إلزامهم بارتداء الزي العسكري الذي يميزهم عن حالات الاشتباه، كونهم مسلحين بزي مدني، فردوا علينا أن هذه مقاومة شعبية، ولها الحرية في التنقل وإرساء الأمن في أنحاء المدينة».
وفي حديث إلى «العربي»، قال العميد عبد القوي باعشن، مسؤول التوجيه في وزارة الداخلية، إن «الأسباب التي تقف خلف تدهور الحالة الأمنية في العاصمة المؤقتة عدن، عائد إلى حالة الازدواج في الأجهزة الأمنية»، مشيراً بذلك إلى ما تعانيه الأجهزة الأمنية الرسمية.
وأضاف: «ما زالت أجهزة الأمن غير موحدة حتى الآن، والأجهزة الأمنية التابعة للداخلية تجد عوائق كبيرة في أداء مهامها، خاصة أن الأجهزة الخارجة عن الوزارة تؤكد سيطرتها الكاملة على مناطق في المدينة، وأنها تقوم بمختلف المهام الأمنية، ورغم هذا، تثبت كل يوم بأنها غير قادرة على عمل أي شيء يخدم أمن المواطن واستقراره».
وأردف قائلاً «حتى الآن، نحاول البحث مع تلك القوى الأمنية، ونسألهم عن النتائج التي يتوصلون إليها عقب أي جريمة اغتيال تحدث في المناطق التي تقع تحت إدارتهم الأمنية، ولم نصل معهم إلى نتيجة».
وأضاف «من المؤكد أننا بعد ذلك في الداخلية نجد أنفسنا مجبرين على تقييد تلك الجرائم ضد مجهولين، لأننا بالفعل لا يمكننا أن نعيد أسبابها على منظمات إرهابية مثلاً، أو غيرها، وإنما سببها الرئيس هو الإزدواج مع أجهزة الأمن الرسمية، التي كما يعلم الجمبع أنها مدعومة»، في إشارة منه إلى قوات «الحزام الأمني»، المدعوم من دولة الامارات، مؤكداً على «فشل تلك القوات وعدم قبولها بالتنسيق الأمني معنا في وزارة الداخلية».
ولهذه الأسباب، أكد باعشن على أن «الوزارة لم تتمكن من القبض على أي من منفذي جريمة اغتيال مالا يقل عن 25 إمام مسجد حتى اليوم، وأن جميعها مقيدة ضد مجهولين».
خذلان «التحالف»
اختلت ثقة المواطنين في مدينة عدن بمختلف الأجهزة الأمنية. لم يعد أحد يعوّل على أي دور يمكن أن تقوم به وزارة الداخلية في حكومة هادي، وكذلك هو حال الأحزمة الأمنية التابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» و«المقاومة الجنوبية»، المدعومة بالسلاح والمال من دول «التحالف»، وتحديداً دولة الإمارات.
إلى ذلك، تحدت الأستاذ منير دبعي، مدرس في إحدى مدارس المعلا، إلى «العربي»، وقال «يبدو أن ما تشهده مدينة عدن من اغتيالات وتصفيات، تستهدف الدعاة والمثقفين، لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة لخطط مدروسة للغاية، والهدف من وراء ذلك، تفريغ المجتمع العدني من الشخصيات والرموز الاجتماعية المؤثرة، والتي كان لها دور في المقاومة وتحرير المدينة»، معللاً ذلك بالقول «هناك قوى خارجية لها أهداف في اليمن عموماً وفي عدن على وجه الخصوص، ووجدت فرصتها في تحقيق أهدافها، من خلال إشرافها وإدارتها لهذه التصفيات».
وأردف قائلاً «لم يعد عندي شك في أن الدور الذي تلعبه الامارات في إطار التحالف العربي، يحقق لتلك القوى أهدافها، وقد أكدت ذلك تقارير صحفية لوكالات أنباء عالمية»، في إشارة إلى تقرير وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية، الذي نشرته في أبريل الماضي، وأكدت فيه دور الامارات في الاغتيالات التي تحدث في عدن.
ويرى مراقبون، أن تدهور الحالة الأمنية ووصولها إلى أسوأ حالاتها في الأسابيع الأخيرة، وسط صمت وتجاهل دول «التحالف»، يؤكد على حقيقة الدور الكبير الذي تؤديه في هذا الجانب، خاصة أنها ما زالت تتبنى قوى أمنية موازية للقوات الحكومية، ولم تف بالتزاماتها الأخيرة في دمج تلك القوى ضمن قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، ما يعني أن أهدافاً لهذه الدول تريد تحقيقها، من خلال الرهان على بقاء الانقسامات والتدهور المتزايد للحالة الأمنية في عدن.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.